إننا نعيش في عهدكم اليوم مخاض إعادة تأسيس الجمهورية
رسالة تهنئة إلى رئيس الجمهورية بمناسبة قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني
إلى فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية ـ نواكشوط
سيدي الرئيس، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
لقد علمت من خطاب وزيرة خارجيتكم السيدة الناهه بنت حمدي ولد مكناس (الوزير الذي قاد بنجاح دبلوماسيتنا في عصرنا الذهبي) ومن أصداء الإعلام الصهيوني الحاقد، أن حكومتكم قطعت كافة العلاقات الدبلوماسية، الموروثة عن عهود التيه المظلمة، مع العدو الصهيوني الغاصب. وهذا لعمري قرار تاريخي لامس شغاف قلوب الموريتانيين الذين قاوموا تلك العلاقات الآثمة المهينة، منذ اللحظة الأولى لإنشائها، وقدموا في سبيل قطعها الغالي والنفيس، وأنا من بينهم.
سيدي الرئيس،
إننا نعيش في عهدكم اليوم مخاض إعادة تأسيس الجمهورية، وانبعاث موريتانيا الحرة العزيزة من رمادها كطائر الفينيق الأسطوري. وفي صراع مصيري كهذا، لا يجد العدو في جعبته، سلاحا أمضى من بث الدعاية المغرضة، والتضليل، والتشكيك، وخلط المفاهيم، والإسقاط، كي ينتشر الإحباط واليأس بين الناس، فتنهار هممهم؛ ويفقدون الاتجاه الصحيح، ويعجزون عن التمييز بين الحق والباطل. وهذا ما جعل قرارا وطنيا وعالميا، كهذا الذي هللت له الشعوب العربية والإسلامية وغيرها، يكاد لا يثير أي اهتمام لدى نخبنا الوطنية الباسلة.
ومع ذلك، فإن من واكب، مثلي، بفخر واعتزاز، رفع أساس الصرح الوطني، وناضل في سبيل عزة اللغة العربية، وتبوؤ موريتانيا مكانتها اللائقة بين الأمم، وتصفية الاستعمار الجديد عبر مراجعة الاتفاقيات الاستعمارية، وإنشاء عملة وطنية، وتأميم ميفرما، وإطلاق حرية التعبير، وحماية الإنسان الموريتاني من الهدر، وظل يعارض حرب الصحراء، والانقلابات الرجعية، وانتشار الفساد ملة ومنهاجا؛ لا يسعه إلا أن يعلن اليوم ـ وبصوت عال ـ تأييده لقرار طرد وكر الموساد القذر من أرضنا الطيبة الطاهرة، ومباركته للأدمغة والسواعد الوطنية التي أنجزت ذلك القرار.
خاصة أن هذا القرار ـ على أهميته ـ جاء في إطار توجه وطني من بين معالمه: محاربة الفساد، وتصفية الإرث الهمجي البغيض وتحقيق المصالحة الوطنية بين كافة أبناء شعبنا، وما يجري من جهود معتبرة في مجال مكافحة الحرمان والفقر والتهميش والهدر؛ سواء أكان ذلك في ساحة مثلث الفقر في آفطوط، أم في ساحات أحياء الصفيح والقرى النائية المنسية أم في مدينة الطينطان المنكوبة، وكذلك العناية بالصحة والتعليم والطرق وضبط الحالة المدنية وحماية الحدود ومكافحة الجريمة والإرهاب الخ…
سيدي الرئيس،
لا شك أنه لا يزال أمامكم الكثير والكثير مما يجب عمله، وأن إرادة الإصلاح تصطدم ببؤر وقلاع النظام الفاسد المعشش، وأن في هياكل السلطة بطانة وصلت إلى مراكز القرار عن طريق المداهنة والولاء لا عن طريق الكفاءة والأداء، وأن العدل غائب، والمؤسسات الديمقراطية (ضمان كل تقدم) لم ترس بعد، والشباب مهمش ومكبل، وروافع المجتمع من أحزاب ونقابات وصحافة وهيئات مدنية مخترقة لا يعول عليها اليوم كثيرا في معركة التغيير والبناء، وأن إسرائيل وحماتها وأصدقاءها لن يغفروا لنا أن ننهض ونأخذ زمام أمورنا بأيدينا ونمارس حقنا الطبيعي في أن نقول: “لا” بملء أفواهنا. وهذه كلها أمور يجب علاجها بمرونة وحكمة ورحمة.. وبصرامة أيضا. ولكن ثقوا، رغم كل ذلك، بأن شعبنا الذي يتمتع بوعي حسي رفيع جعله يميز بين الصواب والخطأ وبين العدو والصديق، سوف يحمي مكاسبه الغالية التي تحققت في عهدكم، وسيرفع معكم القواعد من البيت، ولن يخذلكم أبدا ما دمتم تسيرون في النهج الصحيح.